يا مصرى ليه

Thursday, May 29, 2008

المقال الاسبوعى

طوارىء شعب

بقلم / احمد مفرح

رغم كل من نادى و صرخ و طالب و شجب و لبس وشاح المعارضة سنعيش في ظل أحقر القوانين عامان آخران ستقيد المعاصم و تذل الرقاب و تنتهك الحرمات و تغتصب البلاد و يبقى مسلسل التعذيب مستمرا لا تقف مشاهده ولا تقطع أجزاءه ، سيبقى المجرمون منعمون و ستبقى المفاسد و المفسدين و الرشى و المرتشين ، ستبقى المحاكم العسكرية و الزج بالشرفاء و الوطنيين للسجون و المعتقلات ، سيبقى الثلاثين ألف معتقل يتجرعون كأس المرارة و الذل و الهوان وملايين الأسر ستبقى شاخصة الأبصار على أبناءهم المنتهكة حرياتهم و شرفهم و حياتهم .

اعلم جيدا بان الكثيرين لا يعرفون شيئا عن قانون الطوارىء و إذا عرفوا لو يشاهدوا و إذا شاهدوا لم يقتربوا من منطقه الخطر فيه ، لقد شاهدنا و جربنا بأنفسنا معنى أن تكون محبوسا لشهور و سنين بدون اى جريرة أو اى ذنب ، عملنا في قضايا لأفراد ليس لهم جريرة أو ذنب و لم يفعلوا اى جرم أو خطأ يعاقب عليه القانون و تم القبض عليهم و إلقاءهم في عيابات جب السجون و المعتقلات .

لم تشاهدوا أطفال المعتقلين و هو يشبون و يكبرون عاما بعد أخر و لم يروا آباءهم إلا خلف أسوار السجون لم تشاهدوا دموعهم و أوجاعهم و مصائبهم و لم تشاهدوا ما وقع عليهم من تعذيب و إرهاب من مباحث امن الدولة ، إن الجماعات الاسلاميه المختلفة بخلاف الإخوان يعاملون معامله حقيرة و مهينه و شيطانيه في وسائل التعذيب و لمن يرغب أن يستمع فليذهب إلى محكمه جنوب القاهرة و ليقف أمام قاعات دوائر التعويض عن التعذيب و ستنظر أمامك و تشاهد المئات من المعتقلين السابقين يروون لك عن تجاربهم مع الاعتقال و قانون الطوارىء ، كيف كانوا يعاملون معامله البهائم في النوم و قضاء الحاجات الاساسيه ، كيف كانوا يضربون ليل نهار لا لتهمه أو ذنب سوى انه صلى في مسجد كذا ، أو كان ماشيا بجوار شارع كذا وقت المداهمة ، كيف كانت العصا و الأسلاك الكهربائيه تعرف طريقها إلى مواطن العفة و شرف الإنسان ، كيف كانوا ينادون عليهم بأسماء الحريم ، كيف كانوا يعلقون... و تقلع أظافرهم ...و تنتف لحاهم و شواربهم ...و يأكلون بالقهر كما تأكل الحيوانات و ايادهم خلف ظهورهم

و هذا كله غيض من فيض و قليل من كثير و نقطه في بحر عظيم مما يفعل للإنسان و كرامه الإنسان في ظل هذا القانون و بداخل سجون النظام المباركى في مصر .

............................................................................

طوارىء الخمسين عام

بدأ العمل بقانون الطوارىء في مصر أو ما يعرف بالحكام العرفية على يد المحتل الانجليزى عام 1914 إبان الحرب العالمية الأولي و كان الغرض منه حماية المصالح الاحتلال الانجليزى فى مصر و لم يرفع الا بعد إصدار السلطات المصرية عام 1922 لما عرف بقانون التضمينات والذي يحمي الحكومة البريطانية وسلطاتها في مصر من أية مسئولية مدنية أو جنائية يمكن أن تترتب علي الأحكام العرفية المذكورة واعتباراً من عام 1922 عاشت البلاد أكثر من 17 سنة دون أحكام عرفية إلي ان فرضت عام 1939 م و أعلنت الأحكام العرفية للمرة الثالثة في مايو 1948 بمناسبة دخول الجيوش العربية ومن بينها الجيش المصري إلي فلسطين لمحاولة صد هجوم الإسرائيليين علي المدنيين هناك، وقد أستدعي ذلك إضافة حالة ثالثة إلي الحالتين الواردتين في قانون الأحكام العرفية رقم 15 لسنة 1922 وذلك بالقانون رقم 73 لسنة 1948 المعدل له، وقد نص هذا التعديل علي جواز إعلان حالة الطوارئ "من أجل تأمين سلامة الجيش المصري علي أرض فلسطين وحماية طرق مواصلاته".

وفي أبريل 1950 بادرت أخر وزارة وفدية برئاسة مصطفي النحاس إلي إعلان إنهاء الأحكام العرفية مع الإبقاء عليها جزئياً ولمدة سنة قابلة للتجديد في المناطق الحدودية مع فلسطين وفي محافظتي سيناء والبحر الأحمر علي أن الوزارة نفسها عادت بعد أقل من عامين في 26 يناير 1952 إلي إعلان الأحكام العرفية للمرة الرابعة في جميع أنحاء البلاد ابتداءاً من مساء ذلك اليوم وعين رئيس مجلس الوزراء مصطفي النحاس حاكماً عسكرياً عاماً لممارسة السلطات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون، ثم لم يلبث أن حل محلة في ذلك رئيس الوزراء التالي نجيب الهلالي بعد إقالة الوزارة الوفدية.

ولقد استصدر الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك بسنتين قانون الطوارئ الحالي رقم 162 لسنة 1958 وطبق لأول مرة في الخامس من يونيو 1967 بمناسبة ما عرف بحرب الأيام الستة أو حرب السويس، واستمرت حالة الطوارئ قائمة في البلاد من ذلك التاريخ إلي أن تقرر إلغائها اعتباراً من منتصف ليل 15 مايو 1980 بعد حوالي 13 سنة من تاريخ إعلانها، وهي أطول مدة عاشتها البلاد تحت الأحكام العرفية، حتى تململ الناس من استمرارها وطالبت فئات عديدة من المواطنين برفعها وعلي رأسهم رجال القضاء والمحامون وغيرهم من المشتغلين بالقانون، لاسيما بعد التوقيع علي اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978 ثم علي معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في مارس 1979، فافتقدت الأحكام العرفية أو حالة الطوارئ أساس وجودها واستمرارها، ولم يكن ثمة بد من أن يستجيب رئيس الجمهورية آنذاك الرئيس محمد أنور السادات لهذه الرغبة الملحة رغم إعلانه السابق بأن حالة الطوارئ سوف تستمر حتى تجلو قوات إسرائيل عن كامل شبه جزيرة سيناء في أبريل 1982( )، وعقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، تم فرض حالة الطوارئ بقرار من الرئيس المؤقت في ذلك الوقت الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب السابق، حيث استمرت من يومها وحتى الآن. وهي تعد أطول فترة في تاريخ مصر الحديث.( عن تقرير المنظمه المصريه لحقوق الانسان)

.................................................................................

إن مد حاله الطوارىء في مصر لمده أخرى ( سنتين ) لهى خير شاهد على فشل هذا النظام في اداره الشئون و تسيير و تصريف أعمال الناس ، و هو ما يعبر عنه هذا الامتداد المتواصل منذ أن جيء بمبارك للسلطة و حتى تسليمه مقاليد الأمور إلى وريثه المنتظر لفقد ضاعت كل مصالح الشعب لصالح طبقه من المفسدين و الفاسدين في ظل هذا النظام الطارىء و انتهت كل مقومات النهوض و النهضة و تم القضاء على البنية الاساسيه و الاداريه و أصبحت البلد على شفا حفره الانهيار و الدمار و هو ما تدلل عنه الأرقام الصادرة من البنك الدولي و البنك المركزي و مراكز الشفافية الاداريه و قد اثبت التقارير انه بمقارنه بسيطة بيننا و بين اى من الدول النامية الشبيه لنا في التطورات و الظروف أو كانت مصر تسبقها منذ أكثر من خمسه و عشرين عاما لهو خير شاهد على التدهور الدرامي لوضع الاقتصاد المصري الاقليمى و العالمي إذن فماذا جنينا من سنوات الطوارىء التي تشدق بها النظام الحاكم حتى تندفع مصر نحو ركب التقدم في ظل قانون يحمى الأمن و الأمان و حتى تلك المقولة كذبوا فيها كذبا محضا و أصبح التشدق بكلمات حماية الأمن و الأمان كمبرر للحياه فى ظل قانون الطوارىء كأنها خارجه من الخلاء لها رائحة خبيثة و منتنة ولقد اثبت التقييم المنصف لحالة الطوارئ في تاريخ مصر الحديث أنها على ما اقترفته من اغتيال حقوق وحريات الأفراد و دخول الملايين في السجون و المعتقلات و قتل الآلاف تحت وطأه التعذيب و ملايين انتهاك الحرمات لم تنجح في تحقيق الغرض منها وهى كفالة الأمن والاستقرار . فقد حدثت كثير من الاغتيالات السياسية الكبرى في زمن الاحتلال البريطاني لمصر والأحكام العرفية معلنة . واشتعلت حروب الفدائيين ضد قوات الاحتلال في ظل الأحكام العرفية . بل وقام ثوار يوليو بانقلابهم وأطاحوا بالنظام بأكمله فى ظل الأحكام العرفية . وفى عهد الثورة لم تنجح حالة الطوارئ.وعانت مصر فى الثمانينات من حوادث الإرهاب والعنف المسلح في ظل إعلان حالة الطوارئ . ولم تنجح مصر فى الحد من وحشية الإرهاب وتقليم مخالبه إلا بفضل جهود المثقفين الوطنيين وكافة القوى الاجتماعية والجماعات الاسلاميه المعتدلة التي أعلنت رفضها له ووقوفها ضده .

..............................................................................

ولابد أن نذكر في هذا المقام أن قانون الطوارئ تسببت في "الإطاحة بالعديد من الحقوق والحريات، التي كفلَها الدستور المصري، والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فالتحدث عن الإنسان و حقوقه في ظل هذا القانون نوع من الدعارة و النفاق السياسي فبما تفسر وجود ما لا يقل عن 50 ألف أسرة يمثلون حوالي أكثر من مليون مواطن اعتُقل أربابها ولا يعلم أحد مصيرهم حتى الآن و أين هم و بما تفسر وجود أكثر من 20 ألف معتقل داخل السجون و المعتقلات و تحول مراكز الشرطة في ظل قانون الطوارىء إلى سلخانات بشريه يتم بها ممارسه التعذيب بصوره ممنهجه و القضاء على الحريات العامة و الحياة الديمقراطية و خرس و كتم أفواه الناس بأسم الطوارىء .

إن ادعاء التعديه و الليبرالية و الديمقراطية في ظل هذا النظام الذي هو أكثر عهود الملكية و الجمهورية عملا بقانون الطوارىء منذ الوهلة الأولى لتقلده زمام الحكم و هو يتنفس بهواء الطوارىء و يمشى بقوانين الطوارىء و يبطش بمعارضيه بعصا الطوارىء أصبحت علاقاته الطارئه علاقة الروح بالجسد الذي لا يستطيع أن يفارقه لأنه يعرف جيدا بان يوم واحد لا تحكم فيه مصر بلواءات الداخلية و قطعان جنود الأمن المركزي كفيله بان تزيحه من على كرسي الحكم و تلقى به في السجون و المعتقلات التي أذاقها للكثيرين في عهده .

إننا لا نستطيع أن نعيش في عهد الحريات و الازدهار و عهد سيادة القانون على الكبير و الصغير دون أن نعجل باليوم الذي يسقط فيه العمل بمثل هذا القانون و ما شابهه من قوانين الإرهاب التي يصنعونها و يقوم ترزيه القوانين بوضعها حاليا ، فبداية النهوض هو فك الارتباط بيننا و بين هذا النظام و تلك الفئة المتسلطة على هذا الوطن و كيفيه ذلك معلومة للقاصى و الداني و كل الشعب المصري من ثغره إلى حلاييبه يعرف أن إسقاط هذا النظام هو أول الطريق لباب المجد و الازدهار و التمتع بالحرية .

..........................................

محامى –و ناشط حقوقي

كتبت في 27/5/2008 و نشرت في 29/5/2008

No comments: