يا مصرى ليه

Saturday, January 10, 2009

مقال

روح جديد إسمها "مقاومه"

احمد مفرح*

(1)

( ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن ، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله ، وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلي الله عليه وسلم . ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلي عنه الناس ( .


لم يكن أفضل المتفائلين يظن أن دعوة هذا الرجل و كلماته تلك ستكون واقعا ملموسا على ارض الواقع ، و كيف لا و هو قد بذل جاهدا أن يجعل كلماته في قلوب رجال يمشون على الأرض و ليس رجال يصرخون في حجر مغلقه.


و قف الإمام البنا يبث تلك الروح الجديدة في قلوب أنصاره و تابعيه بتلك الدعوة نبتت شجره المقاومة و ازداد ثباتها و جذورها في العالم الإسلامي، بتلك الروح الجديدة تشكلت كلمه " كرامه " و عادت كلمه " رجولة " و ظهرت كلمه " نخوة " من جديد أتت من جراح الأبرياء و من شهود الشهداء و من وقوف المظلوم أمام الظالم .

(2)

و كلمة مقاومة هي الأكثر ظهورا وتميزا بين تلك الكلمات في القاموس السياسي المعاصر الذي اكتسب قداسة خاصة بين البشر عبر تجارب طويلة سواء كانت مؤلمة أو مفرحة إلى أن أصبحت مرادفا للشرف الإنساني ذاته.


في كتابه حضارة الهند تساءل "غوستاف لوبون": كيف استطاع البريطانيون ببضعة آلاف من الجنود أن يستعمروا الهند ذات الملايين العديدة؟

وأجاب: عند تشريح جمجمة الهندي لا نراها مختلفة عن جمجمة الإنجليزي، ولكن الفرق هو الإرادة: الثبات والعزم في قوم، والضعف والاستكانة في آخرين.


إن أمة أو جماعه تشعر نفسها بالضعف فهي ضعيفة، وستظل ضعيفة ما دام هذا الشعور لا يفارقها ونستطيع نحن الآن أن نقول نفس الكلام أو قريبا منه عن امتنا العربية و الاسلاميه في زماننا، إن الأزمة الحقيقية هي انعدام الوعي بذواتنا، أزمة فقدان الثقة بقدراتنا على الفعل، وأسوأ ما يمكن أن يصيب أمه أو جماعه هو فقدان الثقة بنفسها وبإمكانياتها وبقدراتها على الفعل والمشاركة الإيجابية في صنع الأحداث وتجاوز المحن والأزمات.



لقد بلي كثير من المسلمين اليوم بالهزيمة النفسية، التي كان من ثمارها الحنظلية العيش مع المجتمعات الأخرى بنفسية المغلوب لا بنفسية الغالب، فحملها ذلك أن انقادت وراء هذه المجتمعات وسلمت لها خطامها وأقرت لها بالتبعية والولاء.


لقد نكبت الأمة وذلت، وزلت وضلت، يوم وجهت وجهها نحو الذل و الاستكانة و فقدان الثبات و العزم يوم وقفت ضد المقاومة و غاصت في رمال الاستسلام و المهانة و تمسكت بحبال نجاه الأمريكان و الصهاينة ، فأصبحت تقتات من فتاتهم، وتتمسح بأعتابهم، وتسير في ركابهم .


زين لها ذلك أصحاب الفكر المغلوب، والعقل المقلوب، الذين ما فتئوا يصيحون بالأمة أن تسلم قيادتها للغرب، وأن تأخذ كل ما عنده من عادات وثقافات خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحمد وما يعاب، زد عليه ذاك الجهد الكبار من المتأمركين و ذيول المتصهينين في بلادنا العربية أصحاب مشاريع التسوية و السلام في تغريب المجتمعات الإسلامية، ومسخ هويتها وعزلها عن منبع عزها ومكمن فخرها، حتى خرج جيل من المثقفين و الكتاب و الحكام بعيد كل البعد عن روح المقاومة و قريب كل القرب لروح الاستسلام في ثقافته، وشخصيته، وسلوكه، ونمط حياته.

(3)

بالمنطق و الحساب و الأرقام لا يمكن لأحد أن يتخيل أن تكون هناك نواه من قوه لمثل هؤلاء القاطنين ذلك الشريط الضيق من المساحة في فلسطين المحتلة ضد تلك اللاله المتترسه و هذا الاحتلال الصهيوني بكل ما يملك من ماده و عقل ولا يملك اى محلل استراتيجي أو عسكري إلا و يقول بان ما يحدث في غزه هو تحقيق لمعجزه .


لأول مرة تحاول إسرائيل اقتحام أرض فلسطينية وتفشل فكل الاعتداءات السابقة منذ 48 وما قبلها كان اليهود يهاجمون ويستولون على المناطق ثم تفريغها من الفلسطينيين بالقتل ونزوح من بقي على قيد الحياة . حتى عندما كانت الجيوش النظامية مسئولة عن حماية المناطق الفلسطينية ، فلم يسجل التاريخ مطلقا أن شعبا تحت الاحتلال كان أقوى من الذي يحتله، ولم يسجل التاريخ مطلقا أن خسائر الاحتلال كانت يوما أكبر من خسائر من يرزح تحت الاحتلال، لكن المقاومة دائما تدفع ضريبة التحرر والانعتاق دما ودمارا .


هذه هي المقاومة، وما النصر أو الهزيمة إلا بمن يثبت ويصمد، ومن يحقق أهدافه السياسية في أي حرب يخوضها أو تفرض عليه، وما الادعاء بأن الخسائر تعني الهزيمة إلا سذاجة وقبح يتعمده من يطلق مثل هذه الدعوات التي تظهر علينا من أبواق مأجورة تقبض ثمنا بخسا لعمالتها لضرب الأسافين وتشويه صورة المقاومة وتجريمها وتحميل تبعات الموقف برمته للصواريخ الشرعية التي تضرب على الاحتلال دفاعاً عن النفس وردا واجبا.

باحث و محلل سياسى

10/1/2009

No comments: