يا مصرى ليه

Tuesday, July 28, 2009

مقال

كعكه علم مصر

أحمد مفرح*

هو أكثر من حضور في إحتفال واحد أو ظهور ثنائي على منصّة واحدة ، فاستثنائية التوقيت، وخصوصية الملابسات، وطبيعة الظرف، ترسم في مجملها مشهداً يحمل تأويلات سياسية لا تخطئها العين.

فما كان لافتاً في إحتفال السفارة المصرية ممثله بالسفير المصري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو و الرئيس الإسرائيلي بيريز بثوره يوليو  جملة من العناصر ذات الدلالة العميقة على صعيد الشكل وعلى مستوى المضمون.

فمن الناحية الشكلية؛ بدت "لغة الجسد" التي صاحبت هذا الإحتفال و الإدلاء بالمواقف و التصريحات الذي رافقته  وكيفية ظهور الرئيس الإسرائيلي و رئيس الوزراء  و هم يشربون نخب الثورة المصرية  و الخطاب الذي ألقاء  رئيس الوزراء الإسرائيلي فائقة الدلالة.

لم يكن هذا الإحتفال بما صاحبه من حمله إعلاميه كبيرة و إظهارا صور تقطيع كعكه علم مصر و نخب الثورة سوى التعبير عن رسالة ضمنية موحّدة من جانب القاهرة و إسرائيل، بأن هذا الوقت هو أفضل الأوقات على الإطلاق في التعاون  بين نظام مبارك و النظام الإسرائيلي .

في ظني أنه ليس هناك في تاريخ العلاقات المصرية –الإسرائيله و التعاون فيما بينهما من رمزيه تدلل على مدى التقارب و التفاهم و التعاون كما يحدث في أيامنا هذه.

 

و كان مشهد تقطيع "كعكه علم مصر " أُثناء إحتفال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو و الرئيس الإسرائيلي بيريز مع السفير المصري بثوره يوليو هو المعبر عن حاله الإنسجام هذه .

 

والمشهد من زاوية تحليل عناصره ومفرداته ورمزيته، لن نجد صعوبة في فهم مغزى فرحة نتنياهو وبيريز.. وهم يقطعون بالسكين تورتة مرسوما عليها علم مصر، ولن نجد صعوبة في فهم مغزى نظرات بيريز للسفير المصري وهو يلتهم قطعة التورتة التي ترمز لمصر ثم يبلعها بكأس ويسكي.

 

ونحن لا نعتب على السفير المصري في تل أبيب الذي غابت عنه رمزية الموقف ولا نعتب عليه لأنه احتفل بذكرى الثورة مع اثنين من عتاة المجرمين الصهاينة.. فهو ليس سفير مصر لدى إسرائيل في بداية الخمسينات أو منتصف الستينات ، بل سفيرها لدى إسرائيل عام 2009م.

 

أي بعد أن أكلت الثورة أبناءها وانقلبت على ثوابتها وبانت حقيقتها وتخلصت من شعاراتها وتخففت من مسئولياتها ووعودها الضخمة وبريقها الزائف.

 

وبعد أن نسى نظام مبارك و نسينا وتناسينا جراحاتنا وشهداءنا، وبعد أن نسينا المقابر الجماعية لأسرانا، وكيف كان اليهود يبيعون أعضاء الأسرى المصريين قطع غيار وكيف كان طلبة الطب في إسرائيل يستخدمون أجساد أسرانا في مختبرات التجارب.

 

لن أعتب على سفير مصر في تل أبيب الذي غابت عنه رمزية المشهد الذي التهم فيه نتنياهو وبيريز " تورتة مصر " على شرف الاحتفال بذكرى ثورة يوليو.. فأنا أشفق على نفسي مشقة تفسير أسباب العتب، وإن كنت أندهش لسذاجتنا وطيبتنا الزائدة.. مقابل مكر وخبث ودهاء قادة اليهود.

 

والذكرى التي يحتفلون بها في منزل السفير المصري لها مغزى، وطريقة الاحتفال لها أكثر من ألف مغزى، وما ألمنى أنهم اختصروها في مشهد لم يستغرق ربع الساعة ما حدث بعد فبراير 1980م.. " أول خطوة حقيقية على طريق التطبيع " وحتى يوليو 2009م في ملهاة لا تخفى تفاصيلها عن مبتدئ في قراءة التاريخ.

 

ولسنا في حاجة لأن نعذب أنفسنا ونحن نشاهد بيريز ونتنياهو يلتهمان التورتة المرسوم عليها علم مصر بتذكر ما ضاع من فرص وما قدمنا من تنازلات وما حصلت عليه إسرائيل من هدايا تكاد تكون مجانية وبلا مقابل.

 

لا داعي لأن نعذب أنفسنا بتذكر إنجازات إسرائيل ونجاحاتها على حساب دور مصر وتأثيرها في محيطها العربي والإسلامي، ليس هذا فحسب بل على حساب ثرواتها ومخزونها من الطاقة.

 

فليس غريبا على العدو الصهيوني أن يكذب لأنه في الأصل كذاب.. وليس غريبا عليه أن يمكر لأنه في الأصل ماكر.. وليس غريبا على هذا العدو أن يخدع ويناور لأنه في الأصل خادع ومناور وليس غريبا عليه أيضا أن يقوم باغتصاب الأرض وإقامة المستوطنات الصهيونية فوقها لأنه في الأصل مغتصب.. وليس غريبا عليه أن يستمر في إرهابه وجرائمه لأنه في الأصل إرهابي ومجرم.

 

لكن الغريب أن يحتفل بثورة 23 يوليو المجيدة التي قالت لهذا العدو  .. "لا تفاوض"، " لا صلح"، "لا اعتراف"، فمسألة الاحتفال في إسرائيل بثورة يوليو ليست بجديدة ففي كل عام يقوم مسئولو السفارة المصرية في تل أبيب بتنظيم حفل حاشد يتم توجيه الدعوة فيه لكبار المسئولين والشخصيات العامة في إسرائيل للحضور، ومعظمهم لا يتردد في قبولها بل يصر علي المشاركة، ومنهم عدد كبير يعرف عنه تبنيه مواقف سلبية ضد مصر، لكن قبول المشاركة يمكن القول بأنه يأتي في المقام الأول كمحاولة للإبقاء علي علاقات هادئة بين القاهرة وتل أبيب، كما يعتبر إجراء بروتوكولى دبلوماسي شأنه شأن حضور أي حفل تنظمه سفارة أجنبية أخري في إسرائيل.

 

لكن الغريب في إحتفال هذا العام بأنه جاء بكل تلك  الحفاوة و هذا الإنتشار الإعلامي الواسع و التغطية الإعلامية الكبيرة على مستوى الفضائيات و على مستوى الإخبار و في صدر الصحف و كأنه أريد له أن يكون بتلك الطريقة  و قد جاء هذا الإحتفال  وموقف النظام  المصري من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي في أقل درجاته على الإطلاق بالمقابل من موقفه و تعاونه مع  حكومة بنيامين نتنياهو  برغم ما قدمته على صعيد عمليه السلام و برغم التصريحات المتشددة من وزراء تلك الحكومة بحق مصر و بحق رئيس النظام المصري .

 

مشاهد عده كانت خلف صوره تقطيع كعكه علم مصر فيما بين السفير المصري و الرئيس و رئيس الوزراء الإسرائيلي ، و ما كان هذا المشهد  ليظهر لولا أن سبقه العديد من المشاهد فهو نتيجة طبيعية  مترتبة على العديد من المواقف التي سبقته  .

 

_______________

 

كاتب سياسي*

Blogged with the Flock Browser