يا مصرى ليه

Sunday, August 09, 2009

مقال

سياسة النظام المصري بين الكلب و الفرعون

أحمد مفرح*

 

 

مشهدان متقاربان لشخص واحد ..... لكن لكل منها  رد فعل مختلف ، مختلف لأن الأطراف مختلفان.... فالفارق بين إيران و الولايات المتحدة الأمريكية عند النظام المصري كالفرق بين سواد الليل و ضوء النهار .

 

(1)

 

اعتادت الأفلام الأمريكية منذ سنوات بعيدة على الإساءة للعرب والمسلمين وتصويرهم إما بشكل شعوب همجية أو إرهابية بالإضافة إلى الاستهزاء والسخرية من عاداتهم وتقاليدهم ، وتضمنت عشرات الأفلام الأمريكية مثل هذه الإساءات مثل فيلم "المتحولون" و"يوم الاستقلال" و"أكاذيب صادقة" وعشرات غيرها.

 

واستمرارا لمسلسل الإساءة للعرب و مصر بشكل خاص تضمنت أحداث فيلم أمريكي عرض في دور السينما الأمريكية و بعدها في السينما المصرية عنوانه "i love you man" من إنتاج شركة "دريم ووركس بيكتشر" الأمريكية إساءة بالغة لمصر والرئيس الراحل محمد أنور السادات تجازوت جميع الحدود.

 

ويظهر في الفيلم البطلين "بيتر" و"زويي" حيث يمسك بيتر بكلب، ويقول له صديقه زويي: كلب لطيف، ما اسم هذا الكلب؟ فيرد بيتر: انور السادات.

فيقول له زويي: من هذا؟

فيجيبه بيتر: انه رئيس مصر السابق.

فيسأله زويي: هل كان رجلا عظيما؟، أم أن هذا بسبب ارائه السياسية؟.

فيرد عليه بيتر: لا ، لكنه يشبه هذا الكلب.

وفي المشهد التالي يظهر بيت الكلب الخشبي وعليه صورة الرئيس الراحل انور السادات.

 

حينما رأيت هذا المشهد بلا شك شعرت بالإهانة ، حتى و لو كان الرئيس السادات ممن اشك في الكثير من مواقفه و رؤاه لكن حينما تنظر إلى شخص كان رمزا لبلادك في وقت ما و تراه يشبه " بالكلب " يتغير الموقف لديك و تشعر بالإهانة و بصغر حجمك و ضعفك الشديد وما و صلت إليه كرامتك من ضعف و مهانه.

 

أول ما خطر في ذهني بعد أن رأيت هذا المشهد أنه في مثل هذا الوقت من العام السابق كانت الصحف المصرية و المجتمع الرسمي المصري يموج في بحر من الحديث و الكلام  عن إهانة مصر و رئيس مصر و شعب مصر على يد إيران و القناة الإيرانية بما فعلته من إنتاجها و تقديمها للفيلم الوثائقي " إعدام الفرعون" و الذي سبب حينها في زيادة الفجوة بين النظام المصري و الإيراني  و أعتبره الساسة المصريين منطلقا لتشويه صوره إيران و حزب الله لدى المواطن المصري .

 

ولا أخفى عليكم بأني إنتظرت اليوم بعد اليوم  و نظرت في الجريدة تلو الجريدة و لم أقرا أو تقرأ عيني حديثا رسميا عن واقعه إهانة رمز من رموز مصر في فيلم أمريكي و تشبيهه " بالكلب "  أو قيام النظام المصري بتقديم شكوى للرئيس باراك أوباما أو صدور بيان شديد اللهجة من وزاره الخارجية كما فعلت في مع الفيلم الإيراني"إعدام الفرعون "  للسفارة الأمريكية  و قطع العلاقات المصرية الأمريكية أو غلق مكاتب وكالات الأنباء الأمريكية كما فعل النظام المصري  مع فضائية "العالم" الإيرانية كل هذا لم يحدث و بدر إلى ذهني السؤال الأتي : لماذا أختلف رد فعل النظام المصري بالنسبة لمشهد " الكلب الأمريكي " بالمقارنة بفيلم" "إعدام الفرعون " الإيراني مع أن العنصر الأساسي في المشهدين واحد؟؟؟ .

 

(2)

 

العلاقة بين النظام المصري و النظام الأمريكي أكبر من أن توقع بينهما أزمة  فيلم حتى و لو كانت الإهانة بحق رئيس مصر السابق أنور السادات و في عهد نائبه حسنى مبارك بالمقارنة بسياسة نفس النظام مع إيران و التي يقاطعها و يمتنع عن التعامل معها بسبب إسم شارع  في طهران أو مظاهره أمام السفارة المصرية في طهران  أو إنتاج فيلم وثائقي يتحدث عن حقائق تاريخية لا يدخل فيها إهانات أو نعت فيها نفس الشخصية "بالكلب " .

 

يدخل أساس اهتمام الإدارة الأمريكية بدور مصر مرتكزا على دورها الإقليمي فخلال السبعينيات لعبت الإدارة المصرية دور الحليف الثاني للولايات المتحدة في المنطقة بعد إسرائيل وفي الثمانينيات طور نظام مبارك علاقاته ب"إسرائيل" بحيث لعبت دور المدخل الذي ولجت من خلاله إسرائيل إلى  المنطقة، وفي التسعينيات مثلت مصر حجر الزاوية فيما أطلق عليه وقتها عملية التسوية الشاملة لقضايا الصراع العربي الإسرائيلي  سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو الدولي.

 

في المرحلة الحالية تقف مصر المرتحلة على أعتاب مصر القادمة ، وحيث العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية هي المحدد الأساس في سؤال الوقت في مصر وهو كيف سيكون شكل تلك العلاقات في حالتي التأبيد أو التوريث لنظام مبارك الأب و الابن، ومن خلال طبيعة هذه المرحلة ومعالم التطور فيها سيتحدد شكل العلاقة الذي ينشده الطرفان أو بالأحرى الطور الذي سيكون محصلة لضغط الطرف الأقوى ومقاومة الطرف الأضعف وتوترات الظروف الداخلية والخارجية لكلا الطرفين ومتغيرات البيئة الإقليمية.

 

و ذلك لأن العلاقات السياسية بين أي دولتين من حيث مداها أو عمقها أو فاعليتها ترتبط  بالعديد من العوامل والمصالح والأوضاع سواء كانت الداخلية أو الدولية المحيطة ،  و علاقات النظام المصري مع الإدارة الأمريكية حاليا مرتبطة بما تحدده الإدارة الأمريكية في شأن التوريث و مدى قبولها أو رفضها لمن سيخلف مبارك  و إزاء تلك الحالة يعمل على وتر القرب لها و التودد لسياساتها و يتقرب إليها بكل السبل و يعلم جيدا أن الطريق إلى البيت الأبيض يبدأ من تل أبيب و ليس من واشنطن .

 

إزاء وضع كهذا يصبح من الطبيعي ما نراه و نشاهده من تعامل النظام المصري مع الشأن الإيراني ،طالما كانت العلاقات الأمريكية الإيرانية علاقات متوترة  فتصبح علاقة القاهرة بطهران أيضا متوترة بدون النظر لاعتبارات الأمن القومي المصري و الذي يجعل من علاقة مصر بإيران علاقة إستراتيجيه ذات أبعاد مختلفة من الخطأ  التعامل معها على كونها خطر على أمن مصر بالمقارنة بتعامله مع الكيان الإسرائيلي .

 

 لذا لم تعد مواقف نظام مبارك الآن في حاجة للتحليل والتخمين فقد اختار سياسة  الانحياز التام للصف  الصهيو أمريكي ، وكان آخر هذه السياسات المواقف الأخيرة من العدوان على غزة، والاستمرار في حصار الشعب الفلسطيني في غزة، وها نحن نرى التناغم الكامل في السياسات ضد إيران والتصريحات التي تصدر من الجانبيين حول توحدهم في مواجهة الحركات الإسلامية.

 

(3)

 

لكل دولة مصالح قومية عليا تتحدد في ضوئها جملة سياساتها مما يسمى أمنها القومي، بما يحفظ بقاءها وأمنها وتماسكها وجملة مصالحها في توفير العيش الكريم لشعبها. وتتحدد تلك المقومات تحديدا موضوعيا مرعيا فيه قبل كل شيء مصلحة المحكومين الحاضرين والقادمين وليس فقط الحاكمين، تحديدا يضبط بدقة الأخطار المتربصة بتلك المصالح العليا، على موارد عيش الناس الأساسية وعلى سيادتهم على أرضهم، ويعني ذلك وقبل كل شيء التحديد الدقيق للعدو.

 

و السؤال : هل هناك وجه مقبول للنظر إلى إيران بدل أمريكا و  إسرائيل على وجه الخصوص  على أنها الخطر الرئيسي المهدد للأمن المصري ، أي أنها العدو الإستراتيجي كما يروج النظام المصري ذلك؟.

 

تجدر الملاحظة أن إيران رغم أنها كانت زمن نظام الشاه قوة إقليمية عظمى وسيفا مسلطا على رقاب المنطقة حتى احتلت جزرا إماراتية، وكان مقتضى الجوار ومصلحة إيران الإسلام ذاتها أن ترد تلك الجزر إلى الإمارات، ومع ذلك فإنه لا أحد من الإماراتيين ولا العرب حرك ساكنا، بل كانت إيران الشاه شرطي الخليج دولة مقبولة جدا في الخليج، لم يزعج أحدا، لا توسعها ولا قوة جيشها المرعب ولا قوة النفوذ الصهيوني والغربي فيها ولا حتى طموحها النووي الذي شرعت فيه، فما الجديد حتى يتم تقديمها لشعوبنا ليس مجرد عدو بل العدو، فترفع عداوتها إلى القمة؟

 

هل المزعج في إيران أنها قدمت الدعم لحزب الله وللمقاومة الفلسطينية وهما فصيلان عربيان و مصر والدول العربية  كانت هي الأولى  وما الذي منع مصر و باقي  الدول العربية من ذلك وأموالها لا تكاد تحصى وفرة، لسد الباب في وجه النفوذ الإيراني أو الشيعي.

 

هل مبعث العداء لإيران أو الخوف منها هو الخشية من تطوير برنامجها النووي في اتجاه عسكري؟ رغم أن إيران ما تفتأ تؤكد التزامها بالاستعمال السلمي المسموح به دوليا، ورغم أن هذا الموضوع متابع من أقوى أجهزه المخابرات الأمريكية و الإسرائيله فضلا عن الغربية ، وعلى افتراض أن إيران تناور، وقادرة على خداع الجميع، فما الذي يزعج مصر و باقي الدول العربية من ذلك؟

 

 بل وضح جليا أن أكثر الجهات قلقا هي الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني  ، بينما لا تبدو مصر قلقا مماثلا من امتلاك الكيان الصهيوني مئات الأسلحة النووية مع أن الأقرب إلى المعقول أن ذلك من شأنه أن يصنع توازنا يخدم إعتبارات الأمن القومي المصري ، و ذلك ما يرفضه بكل شدة الصهاينة حرصا منهم على الانفراد بهذا التفوق باعتباره رأسمالهم الأعظم .

 

(4)

 

وفي النهاية أرجوا أن أكون قد أجبت على السؤال بحيث يكون  قد أتضح لدى القارىء الفارق بين مشهد " الكلب " و مشهد " الفرعون" .

 

_____________________

 

كاتب سياسي

 

 

 

Blogged with the Flock Browser

No comments: